وصيّتي إليك

عنوان مقالي وصيتي إليك

في عيد ميلادك التاسع والأربعين أكتب لك وصيتي

مرحبا…

أمي…

قبل وقت قصير شاهدنا مع بعضنا حلقة من مسلسل تركي “عشق ودموع”، حين توفت ام البنتين كان اسمها ياسمين، في حلقة الجنازة بكيتِ كثيرا، لم يكن صعبا علب أن أستشفّ أنٌك تذكرت وفاة جدتي، تربيت يتيمة الأب منذ ولادتك، وفي عمر صغير خسرت أمك، أمي لست هنا بصدد كشف المستور كما تقولين، هناك الكثير من الأشياء تضمرينها في نفسك.

تنعتينني دائما بالصندوق المغلق، لكن أظن أنك ترين انعكاسك في، لطالما كنت أمامك كما تريدين، صحيح أنني أخفيت عليك الكثير، المجالس التأديبية، وهروبي من الحصص لألعب تنس طاولة، وتسكعي مع صديقاتي في باحة المؤسسة، كنت متأكدة أنني سأحقق حلمك، لكنني خيبت ظنك.

كنت تحمدين الله كثيرا لأنني أدرس في مؤسسة للبنات فقط، كنت اقول لك دائما امي الجامعات مختلطة، كنت تجيبين انني حينها سأكبر وسأتعلم أكثر مما مضى، كنت تثقين بي ثقة عمياء، لم أخيب ظنك للدرجة التي تعتقدين يا أمي، لكن ابنتك في ست سنوات، اضمحلت ضحكتها، وغاب صوتها.

لأنها كبرت أكثر من اللازم، دموعي تحجرت في مآقيها، و ضحكتي ترسبت في ذلك الوجع الذي لم يغادرني، كل مرة أدخل بها غرفة العمليات، و يشرعون في غرز الحقن في عيني أبكي، لأنني أعلم انني لن أجدك فور خروجي من تلك الغرفة الشاحبة.

تعلمين أن اصوات الأطفال في المستشفيات و المستوصفات، يقرع على اذني سمفونيات من الألم، إنه أمر لا يحتمل، سماع آلامهم و هي تغرق بين حناجرهم، إنه لألم قاتل يا أمي، أنت تعرفين ألمي.

آخر مرة حين قالت لي الطبيبة أنني سأبقى في تلك الحالة و لا شفاء أرجوه، تمنيت أن أختبئ في أحضانك من خيباتي و عثراتي، من آلامي و آمالي التي تركتها معلقة على جدران تلك الغرفة، إنه عيد ميلادك لا أقصد تكدير مزاجك لكن غصبا عني أجدني أقص لك ما لا تستطيع شفتي قوله.

أتذكرين الحادي عشر فيفري من سنة 2016 كان تاريخا لبداية عهد جديد بيننا؟ تلك الممرضة لم تتمالك نفسها من الضحك علي، رغم أني أغضبتها قبلا، حين أجبرتها على إدخالك إلى غرفة الكشف، أحدثت جلبة في قسم النساء.

الكل عند خروجنا من المصلحة أصبحوا يشيرون إلي بأصابعهم، لم يمتحنوا في رؤية أمهاتهم على الأرض؟ فرحت كثيرا لأنك سميت أختي بالإسم الذي اقترحته، يعني الكثير حينما أجدك، تستشيرني، وتطلبين رأيي في أمور عدة، أشعر بقيمتي، فلا سند أتكئ عليها إلاك، كنت الأب و الأم و كل العائلة، اختصرت الكثير من المعاني فيك.

قبل أيام، سألتني ما الذي يحصل معك، ولم لا تخرجين من الغرفة و لا تأكلين، رغبت كثيرا في إخبارك لماذا؟ لكنني لم أتجرع الكم المناسب من الشجاعة حتى أخبرك، لم تستصغري مشاكلي وهمومي يوما. لكنني لم أشأ أن تحزني لأجلي، لكنك حزنت فعلا، حين قلت لي بعدها حين رجعت لأحادثك أنني لا ألق لك بالا.

وأنني لم أعد أحادثك، اتهمتني بالتقصير، حسنا لديك حق لكن كنت مجبرة على ذلك صدقيني يا جميلتي. لا أريد أن اذكرك بركضك ورائي منذ صغري، ولا بتعبك وكدحك من أجلي، سأتوقف عند هذا الحد لأقول لك وصيتي، لا تبك مرة أخرى، كوني سعيدة دائما، لا تحزني حتى و إن أصبحت عمياء نسبيا، حتى و ان اصبت بجميع العاهات.

يكفيني شرفا أنك كنت أمي، أتمنى أن تكوني أمي في كل العوالم، أنت الأجمل و الأروع على الإطلاق، لطالما فكرت أنني مجرد فتاة القي عليها وابل من الأمراض، تكافح اللاشيء،بدون طموح و حتى أبسط أمانيها لن تتحقق.

لكنني الآن ممتنة لله كثيرا على وجودك.

أضف تعليق